26 أغسطس 2013

جرعة سكر لا تكفي ...!!

مشاركتي :قصة قصيرة بتاريخ 29/06/2011 بمنتدى الساخر الأدبي تحت إسم :ربما حنين

وحدي أنا و شارع بن بولعيد منذ الساعات الأولى، كان صباحي قد ضيع دربه يبحث عن دليل بعد أن تاه لليلة كاملة و غاب عن عيني النعاس و لم يبقى لي صبرا إلا بطلوع شمس النهار و الخروج إلى وجهة لا أعرفها و لا تعرفني ...

بن بولعيد هو الآخر بات غريبا ،كلانا كنا عابرين بمدينة لا تعترف بملامح الراحلين إليها ، و لا تخلصهم من خطاياهم ، فبعد أن جابت خطاي و ظلي المتعب رحبة السوق و دكاكينه العتيقة استقر بي المقام بمقهى شعبي و أنا الهث خلف رائحة القهوة الممزوجة بماء الزهر و بالكاد وجدت لي مكانا بإحدى زواياه الحزينة وسط كومة أثاث لا تقدر على تأملها و لا التعرف حتى على لونها ،فلم يكن لي منها نصيب إلا كرسي امتزجت أرجله الأربع بين الخشب و الحديد وطاولة سدت جميع الثقوب التي عليها بجريدة " المساء" التي خلت من الكلمات و الأسطر إلا من صور بعض أعضاء الحكومة ؟؟؟
صباح الخير كيف تريد قهوتك يا خـــــالي اااا...

قالها نادل المقهي الستيني الهزيل و هو يستقبلك بابتسامة حقيقة لا خداع فيها ،يمنحك من كل قلبه فرصة الاختيار دون أن يساومك فالثمن واحد لديه ،يدللك يمناداتك خالي و أنت بعمر أحد أصغر أبناءه ...عمي حسان هكذا سمعتهم ينادونه يمر بين الطاولات يحتضن حكايا الزبائن كأنه جالس بينهم يصدق هذا و يكذب ذاك و هو يركل أعقاب السجائر يمنة و يسارا ...و كانه إحترف الحنين لصباه.
خبر الموت لم يهز مشاعري أبدا فأنا لم اكن يوما أبا حنونا و لم أكن زوجا صالحا حتى أنني نسيت إن كنت يوما متزوج بتلك المرأة التي إنسلت من بين خيوط ذاكرتي فجأة دون أن أتكلف عناء البحث عن السبب...هكذا نسيتها فحسب !!! غرامة الطلاق كانت كفيلة بأن تنسيني حياتي بأكملها وسط صحراء "البرمة" حيث أعمل .
إرتبكت يوم جاءني صوتها الباكي عبر الهاتف ،تماما كاليوم الذي نطق فيه القاضي بحكم الطلاق ،سألتها من تكونين مخافة انها قد أخطأت الرقم...إبنتك ماتت هذا الصباح !!!...أحسست حينها أن شيئا بالقلب قد أصبح خــاليا و تذكرت إبنة لم يتبقى منها إلا صوت بكاء كنت أكره سماعه ...و ملامح طفولية لم تكتمل لتناديني ...بابا 

وجدتني ذاهبا إلى عنوان نسيت بعضي به، ركبت الحافلة، ووقفت بمقبرة وسط حشدا من المعزين لا أعرف أحدا منهم ،ثم أتوا بها يحملونها ....ووضعوها بصمت .
تعالت التكبيرات ،و تقاذفتني بعدها الأيدي ،و قست عليا النظرات ،أدركت حينها أنني مسؤلا عن طفلة و أنني أبا أبله لا يقدر معنى الحياة إلا بعد أن ضيعها الموت.

أطفأت سيجارتي و أنطفأ معها الكون بداخلي و عمي حسان مبتسما يخبرني ...قهــــــوتك مرة يا خالي ااا جرعة سكر لن تكفي... يا بني !!

ليست هناك تعليقات: