26 أغسطس 2013


القوقعة: يوميات متلصصالقوقعة: يوميات متلصص by مصطفى خليفة
My rating: 5 of 5 stars

يحدث فقط في الدّول العربية أن يكون ثمن نكتة تُداعب بها رئيس الدولة باهظ جدا يساوي مصادرة حريتك و إنسانيتك و حقك في الحياة لمدة ثلاثة عشرة سنة و ثلاثة أشهر و ثلاثة عشرة يوما دون محاكمة ...
و هكذا كان مصير بطل القوقعة ،سَجين لا يعرف لما سُجِن و أيَّ ذنب اقترفه ليجد نفسه رفْقَة سُجناء سِياسيين نزلاء زنازين الموتْ و العذاب بعد أن كان يتمتع بحياة طبيعية في باريس أين كان يدرس فن الإخراج السينمائي ، ولم يكن يعلم أن أرض الوطن تستعد لاستقباله بعد سنوات الاغتراب بالجلد و الضرب و انتهاك صارخ للحرية.
القوقعة ليست رواية فحسب بل هو نص عميق نجح الكاتب في جعلنا من خلاله على مسافة قريبة جدا من المعنى الحقيقي للعذاب و الممارسات اللإنسانية لتمنحنا نظرة حقيقية عن حياة أخرى في عالم آخر لم نسمع به قبلا و لربما هذه هي ميزة أدب السجون أن ينقلك من تجربة إلى أخرى مختلفة فالأنظمة و إن اجتمعت على القمع و الاستبداد فأنها اختلفت في وسائل التعذيب وا الانتهاكات
تدور الأحداث في سجن صحراوي، و لطالما كانت الصحراء أكثر الأماكن التي تشيد فيها السجون السياسية أين يتماهى العالم الخارجي كله و يضمحل داخل المهاجع و الزنازين ، فتصبح الحياة صغيرة جدا منكمشة أمام المجهول المحيط بها من كل جانب حيث يتعاظم القهر ,الألم ,القسوة ،الضعف ويصبح الخوف يسكن الصدور بكل مهانة و إذلال و لا شيء غير القمع الجسدي القمع الجسدي فحسب ....
ينقلنا السرد المحكم في هذه الرواية إلى يوميات البطل مع السجناء و علاقتهم ببعضهم البعض كيف استطاعوا رغم قلة الإمكانيات و التضييق أن يتمكنوا من العيش و البقاء حينما كان البقاء مستحيلا وسط كل تلك الأمراض القاتلة و الظروف السيئة و أن يجدوا منفذا للمحبة عبر التكاتف و التعاون داخل المهاجع رغم اختلاف الأديان فتنتصر الإنسانية في كل مرة أمام التشدد و التطرف الديني ،ورغم كل هذا تحل القوانين داخل عالمهم الصغير فيما تغيب خارج الزنازين و في ساحات السجن .. !!
ولعل أكثر المشاهد في الرواية صدقا تلك التي تحدث فيها الكاتب عن الجلادين "البلديات" و "الشرطة" كيف كانوا كل الوقت على مسافة لصيقة بالأجساد النحيلة للسجناء يمارسون عليها كل أشكال العذاب و الإمتهان فيتحول العذاب إلى لذة ويصبح "الموت أبسط أمنية لديهم....." إلا أن « و حتى الموت لا يستطيعون الحصول عليه"
في كل فقرة كان ينتزع قلبي و تتصاغر الدنيا بعيني و أنا أطل من القوقعة على الوجه الحقيقي لأنظمة تتغنى بالحرية و الديمقراطية جهرا فيما تنتهك حياة مواطنيها سرا بالجلد و التعذيب الجسدي و المعنوي لينتهي كل ذالك بإعدامات تلتف فيها الرقاب بحبل المشنقة تتخبط و تتخبط ......دون أن يمر السجين بمحاكمة عادلة...لتغادر الحياة أجسادهم تحت الضحكات المتعالية نشوة، و انتهاكات جسدية تستمر إلى ما بعد الموت.... ،أعتبر الرواية ناجحة جدا متى أستطاع الكاتب أن يجعلنا داخل الاحداث ،و هذا ما فعله بالضبط صاحب القوقعة .
تمنيت أن لا تتوقف صفحات الرواية و أن لا تَصِل بي إلى النهاية أين كانت الحُرية في مسَاومة مع إذلال آخر و مرهونة بقيود أخرى ليخرج البطل إلى الدنيا ضائعا محبطا سجين ذكريات السجن...
تجربة ممتعة تستحق كل النجوم


View all my reviews

ليست هناك تعليقات: